الخصوصية الرقمية.. بين فوائد التواصل الاجتماعي وخطر الاستغلال الأمني الإسرائيلي
مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية. رغم الفوائد الاجتماعية لهذه المنصات، فإنها تحمل في طياتها مخاطر كبيرة تتعلق بالخصوصية.
في عصر التكنولوجيا الرقمية المتقدمة، أصبحت الخصوصية في العالم الافتراضي قضية رئيسية تثير قلق المستخدمين والمشرعين على حد سواء. مع توسع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار الإعلانات الموجهة وتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، أصبح من الضروري فهم كيفية تأثير هذه التطورات في خصوصية المستخدمين، وكيفية الحفاظ على البيانات الشخصية من الاستغلال.
في هذا السياق، يبرز موضوع تحليل البيانات، خصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي، ودوره في توجيه الإعلانات، وأيضاً كيفية استغلال الاحتلال الإسرائيلي هذه البيانات في العمليات الاستخباراتية والأمنية.
الخصوصية في مواقع التواصل الاجتماعي
مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فايسبوك، إكس، وإنستغرام، أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية. رغم الفوائد الاجتماعية لهذه المنصات، فإنها تحمل في طياتها مخاطر كبيرة تتعلق بالخصوصية. تقوم هذه المنصات بجمع كميات هائلة من البيانات الشخصية للمستخدمين، بدءاً من المعلومات الأساسية مثل الاسم والعمر، إلى السلوكيات والاهتمامات، وحتى المواقع الجغرافية التي نتردد إليها.
تعتمد هذه المواقع على استخدام خوارزميات متقدمة لتحليل سلوك المستخدمين وتقديم محتوى مخصص لهم بناءً على تفضيلاتهم. ومع ذلك، فإن هذا التخصيص يأتي على حساب الخصوصية، إذ يتم استخدام البيانات الشخصية من دون معرفة أو موافقة كاملة من المستخدمين. العديد من الحوادث كشفت كيفية تسريب البيانات أو استغلالها من قبل أطراف ثالثة، ما يعزز المخاوف بشأن خصوصية المستخدمين.
علاقة الإعلانات بسلوك المستخدم وحاجياته
الإعلانات الموجهة هي إحدى الطرق التي تعتمد عليها مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق أرباحها. تقوم الشركات باستخدام البيانات التي تم جمعها عن المستخدمين لتحديد الإعلانات التي من المحتمل أن تكون ذات صلة بهم. هذه العملية تعرف باسم “تتبع السلوك الرقمي”، إذ يتم تحليل نشاط المستخدم على الإنترنت لتحديد اهتماماته وتفضيلاته.
ورغم أن الإعلانات الموجهة قد تكون مفيدة للمستخدمين من حيث توفير منتجات أو خدمات تتناسب مع احتياجاتهم، فإنها تثير العديد من القضايا المتعلقة بالخصوصية. يشعر العديد من المستخدمين بأنهم مراقبون باستمرار، وأن بياناتهم تُستخدم بطرق قد تكون غير أخلاقية. كما أن هناك مخاوف من أن تكون هذه الإعلانات مصممة للتأثير في سلوك المستخدمين بطرق لا يدركونها بالكامل، ما يثير تساؤلات حول الحرية الشخصية وقدرة الأفراد على اتخاذ قرارات مستقلة.
الخصوصية في مواقع الذكاء الاصطناعي
تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT وغيرها أصبحت أدوات قوية تُستخدم في العديد من المجالات، من توليد المحتوى إلى تطوير التطبيقات التفاعلية. ومع ذلك، فإن استخدام هذه التقنيات يثير تحديات جديدة تتعلق بالخصوصية.
تعتمد هذه الأنظمة على كميات هائلة من البيانات لتدريب نماذجها. في كثير من الأحيان، يتم جمع هذه البيانات من مصادر مختلفة، بما في ذلك البيانات الشخصية التي قد تحتوي على معلومات حساسة. على الرغم من أن بعض منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي تقدم ميزات للتحكم في الخصوصية، فإن التحديات تبقى قائمة، وخصوصاً مع صعوبة ضمان عدم استغلال البيانات الشخصية لأغراض غير مشروعة أو تسريبها إلى جهات غير موثوقة.
تحليل البيانات وتوجيه الإعلانات.. والاستغلال من قبل “إسرائيل”
تحليل البيانات الكبيرة (Big Data) هو عملية معقدة تهدف إلى استخراج أنماط واتجاهات من كميات هائلة من البيانات. في مواقع التواصل الاجتماعي، يتم جمع هذه البيانات بطرق متعددة، مثل تتبع سلوكيات المستخدمين وتفضيلاتهم وتفاعلاتهم مع المحتوى، وحتى مواقعهم الجغرافية. هذه البيانات تُستخدم بشكل رئيسي لتحسين تجربة المستخدم وتوجيه الإعلانات بطرق أكثر دقة.
ومع ذلك، فإن هذه البيانات يمكن أن تكون سلاحاً ذا حدين، وهي تحمل في طياتها إمكانيات هائلة يمكن استغلالها بطرق تشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي والاجتماعي. الاحتلال الإسرائيلي، على سبيل المثال، يمكنه استخدام تحليل البيانات المتاحة في مواقع التواصل الاجتماعي بطرق متعددة لتحقيق أهدافه الاستراتيجية والاستخباراتية.
من خلال الوصول إلى هذه البيانات الضخمة، تستطيع الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية أن تقوم بتحليل عميق لسلوكيات المستخدمين العرب والمسلمين، ما يمكنها من تكوين صورة شاملة عن توجهاتهم، واهتماماتهم، وأنماط حياتهم. هذه المعلومات تمكن الاحتلال من تحديد مواقع هؤلاء الأفراد بدقة، ما يتيح له القدرة على متابعة تحركاتهم ورصد تجمعاتهم في مناطق محددة.
هذا الفهم العميق لديناميكيات المجتمع العربي والإسلامي يمكن أن يستخدم لأغراض عسكرية، إذ يمكن للاحتلال أن يوجه ضربات مركزة إلى مواقع حساسة أو مواقع تجمعات استناداً إلى هذه المعلومات التي تم كشفها عبر أنشطة غير محسوبة في مواقع التواصل الاجتماعي.
إضافة إلى ذلك، لا يقتصر استغلال هذه البيانات على العمليات العسكرية، بل يمكن أن يمتد ليشمل جوانب أخرى أكثر خطورة. على سبيل المثال، يمكن استخدام البيانات لاستهداف الأفراد الذين يظهرون ميولاً سياسية أو اجتماعية معينة، أو الذين يتفاعلون مع محتوى محدد يعكس توجهاتهم الفكرية أو الدينية. هذا الاستهداف يمكن أن يأخذ أشكالاً مختلفة، بدءاً من محاولات لتجنيد هؤلاء الأفراد كعملاء سريين عن طريق التهديد أو الإغراء، وصولاً إلى استخدام هذه البيانات للابتزاز أو التشهير بهم بطرق تهدد حياتهم الشخصية والمهنية.
إضافة إلى تحليل النصوص والمعلومات المتاحة على الإنترنت، يمكن للاحتلال أيضاً استغلال خاصية تحليل الصور والفيديوهات المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي لاستنتاج مواقع جغرافية حساسة أو تحديد هوية أفراد مطلوبين.
تقنيات تحليل الصور المتقدمة قادرة على استخراج معلومات دقيقة من الصور، مثل المعالم الجغرافية أو البنى التحتية الموجودة في الخلفية، والتي يمكن استخدامها لتحديد مواقع محددة. على سبيل المثال، صورة بسيطة تحتوي على جزء من بناء مميز أو معلم طبيعي قد تسمح للأجهزة الاستخباراتية بتحديد موقعها الجغرافي باستخدام خوارزميات مقارنة متقدمة وربطها ببيانات الأقمار الصناعية أو الخرائط المتاحة.
علاوة على ذلك، يمكن تحليل الصور للتعرف إلى الأفراد باستخدام تقنيات التعرف إلى الوجوه. في حالة وجود شخص مطلوب للاحتلال، يمكن للنظام تحليل صورته الموجودة في وسائل التواصل الاجتماعي ومقارنتها بقاعدة بيانات للأفراد المطلوبين. في حال تطابق الوجه، يمكن للاحتلال استخدام هذه المعلومات لتعقب تحركات الشخص وتحديد موقعه الحالي.
تُظهر هذه السيناريوهات بوضوح كيف يمكن أن تتحول التقنيات الحديثة إلى أدوات قوية بيد الأعداء إذا لم يتم تنظيم استخدامها بشكل صحيح، فيما توفر التكنولوجيا فرصاً هائلة للتواصل والتطور الاجتماعي، إلا أنها في الوقت نفسه تحمل مخاطر جسيمة إذا ما أسيء استخدامها.
لذلك، يصبح من الضروري أن يتمتع الأفراد بوعي كافٍ حول كيفية حماية بياناتهم الشخصية، بما في ذلك الصور والفيديوهات التي يشاركونها، وأن يتم وضع سياسات وقوانين دولية صارمة تحد من إمكانية استغلال هذه البيانات لأغراض عدائية.
هذا الاستخدام غير الأخلاقي للبيانات يجب أن يقابله وعي مجتمعي وتقني متزايد، إضافة إلى جهود دولية لحماية الخصوصية وتعزيز الأمن الرقمي.